"الموعظة عند القبر"

"الموعظة عند القبر"

دأب كثيرٌ من الدعاة وغيرهم على إلقاء موعظة عند القبر وحين ننصحهم بأن ذلك مخالف لهدي رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يحتجون بحديث البراء بن عازب-رضي الله عنه- ولعل من المناسب هنا أن نذكر لكم طرفاً من هذا الحديث؛ أخرج الإمام أحمد وأبو داود والحاكم وغيرهم عن البراء بن عازب-رضي الله عنه- أنه قال: خرجنا مع النبي-صلى الله عليه وسلم-في جنازة رجل من الأنصار،فانتهينا إلى القبر ولمّا يلحد،فجلس رسول الله-صلى الله عليه وسلم-وجلسنا حوله وكأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت به في الأرض فرفع رأسه فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر-مرتين أو ثلاثاً- ثم قال: إن العبد إذا كان في انقطاعٍ من الدنيا وإقبالٍ من الآخرة، نزل عليه من السماء ملائكةٌ بيض الوجوه ......" إلى آخر الحديث الطويل الذي احتوى على موعظةٍ بليغة تبين حال المؤمن عند الموت ومستقره بعد ذلك ، وحال الكافر أو الفاجر ومستقره بعد ذلك،وبعد الإنتهاء من الدفن يشرع للحاضرين الوقوف عند القبر والاستغفار للميت والدعاء له بالتثبيت، ويُقتصر في ذلك على المشروع والمأثور ،لأن الدعاء عبادة والعبادات مبناها على التوقيف، فلا يعبد الله إلا بما جاء به رسول الله-صلى الله عليه وسلم- والدعاء والتأمين بشكل جماعي بدعةمحدثة لأنه لم يكن من هدي النبي ولا أصحابه فعل ذلك؛ وقول الصحابي: ولمّا يلحد يعني أن النبي-صلى الله عليه وسلم - وهو معلم الأمة أمور دينهم أراد يعلّم الصحابة ومن جاء بعدهم مايحدث للميت بعد دفنه لينتفع بذلك كل مسلم،وقد فعل ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- ريثما ينتهي الآخرون من لحد القبر؛ ولو كان من هديه الدعاء للميت وتأمين الصحابة على دعائه لفعل لأنه صلوات ربي وسلامه عليه أحرص الناس على نفع أمته؛ ويؤيد ذلك ماذكره ابن حجر في الإصابة قال: كان ابن مسعود يحدث قال: قمتُ في جوف الليل في غزوة تبوك فرأيتُ شعلةً من نار ناحية العسكرفاتبعتها فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-وأبو بكر وعمر ،وإذا عبد الله ذو البجادين قد مات،فإذا هم قد حفروا له،ورسول الله-صلى الله عليه وسلم -في حفرته فلما دفناه قال: اللهم إني أمسيتُ عنه راضياً فارض عنه، في هذا الموقف الرهيب لم يجمع النبي-صلى الله عليه وسلم- الصحابة ليعظهم ثم  يدعو للميت والصحابة يؤمنون على دعائه خاصةً وأن  دعاءَه-صلى الله عليه وسلم-مستجاب، فلمّا لم يفعل ذلك علمنا أنه ليس من السُنّة.
جاء في كتاب رياض الصالحين شرح ابن عثيمين-رحمه الله-مانصه: حديث عبد الرحمن بن مرّة حين جاء رسول الله-صلى الله عليه وسلم-وانتهى إلى جنازة رجل من الأنصار ووجدهم يحفرون القبر ولمّا يتمّوا حفره،فجلس وجلسوا حوله كأن على رؤوسهم الطير احتراماً لرسول الله وإجلالاً لهذا المجلس وهيبة، فجعل يحدثهم أن الإنسان إذا جاءه الموت نزلت إليه ملائكةُ الرحمة أو ملائكةُ العذاب وجعل يحدثهم بحديثٍ طويل يعظهم به ،هذه هي الموعظة عند القبر، أما أن يقوم القائم عند القبر يتكلم كأنه يخطب فهذا لم يكن من هدي الرسول -صلى الله عليه وسلم-فليس من هديه أن الإنسان يقف بين الناس كأنه يخطب،هذا ليس من السُنّة، السُنّة أن تفعل كما فعل الرسول-صلى الله عليه وسلم- إذا كان الناسُ جلوساً ولم يدفن الميت فاجلس في انتظار دفنه وتحدث حديث المجالس حديثاً عادياً، الموعظة عند القبر تقيد بما جاء في السُنّة فقط،لئلا تتخذ المقابر منابر ،فالمواعظ هادئة يكون الإنسانُ فيها جالساً ويبدو عليه أثر الحزن والتفكير وماشابه ذلك، فبعض الناس يفهم شيئاً من النصوص فهماً غير مراد منها..انتهى كلام الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله بتصرف طفيف.
أقول: لاشك أن الذي يفعل ذلك يريد فعل الخير ولكن ليس كل راغب في الخير يبلغه طالما أن ذلك ليس على السُنّة وأضيف أن وقت دفن الميت من حقه علينا أن نفعل مايفيده لا أن نهتم بوعظ الأحياء وعندهم الفرص كثيرة من خطب جمعة ودروس علم ومطالعة كتب وخلافه أما الميت فلايملك حال مغادرته الدنيا سوى هذا الوقت فحريٌ بنا أن نمنحه حقه في الدعاء؛ كما يمكن أن نشغل أنفسنا بتدبر هذا الواعظ الكبير ألا وهو الموت حال إنشغال البعض بلحد القبر
ثم بعد الدفن نجتهد في الدعاء بأن يغفر الله له وأن يثبته عند السؤال؛ هذا وأسأل اللهَ أن ينفعني وإياكم بما سبق وأن يختم لنا جميعاً بحسن الخاتمة.
جمع وترتيب..أحمد سعيد قنديل 
يوم الإثنين..٣-٢-٢٠٢٥ الموافق٤-شعبان ١٤٤٦

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"الحبيب الحائر"

"الصف الأخير"

"معادن الناس"