"الصف الأخير"

"الصّف الأخير"
اجتمع ثلاثة من الأصدقاء وهم..سعيد وحُسين ومُحمَّد في منزل الأخير يستذكرون معاً مادة"المساحة" ذلك لأنّ أستاذ المادة أخبرهم أنّ إختبار نصف العام بعد اسبوع واحدفقط، لذلك أعطوا المادة جلَّ وقتِهم ؛ وقد تميّز كلاً من سعيد ومُحمَّد بمهارتهم في تلك المادة بسبب تفوقهم في مادة الرياضيات عكس حُسين والذي كان فيها دون المستوى؛ لذلك بذل الصديقان مجهوداً مضاعفاً مع صديقهما حُسين في تحصيل المادة دون جدوى وحيثُ لم يكن ثمة وقت كافي على الإختبار لذا تفتّق ذهنُ حُسين عن فكرة شيطانية عرضها على الصديقين فوافقا على مضض؛تلخصّت الفكرة في أن يجلس حّسين بحيث يكون مُحمَّد عن يمينه وسعيد من أمامه وذلك لسهولة نقل إجابة أحدهما إذا مااحتاج إلى ذلك.جاء يوم الإختبار وجلسوا ثلاثتُهم حسب ما اتفقوا؛ و كان ضمن اسئلة المادة سؤالاً عن المنحنيات فهم سعيد السؤال على أنّه يتعلّق بالمنحنيات الأفقيةوهي المتعلِّقة بتحديد دوران الشوارع بينما فهمه مُحمَّد على أنَّـه يتعلّق بالمنحنيات الرأسية والمتعلِّقة بتحديد ميول الكباري .وقد نقل حُسين إجابة السؤال من مُحمَّد، وبعد انتهاء لجنة الإختبار خرج ثلاثتُهم وحين تناقشوا في المسائل الواردة اكتشفوا أنّ الصواب في إجابة سعيد وأنّ السؤال يتعلَّق بالمنحنيات الأفقية وليست الرأسية.حضر ثلاثتُهم المحاضرة التالية لمادة المساحة وجلسوا في الصَّف الأخير من المُدرَّج كما تعوّدوا وحدث أثناء الشّرح أن ارتفعت أصواتُهم نسبيّاً ممّا أثار حفيظة أستاذ المادة ممّا جعله يتخذ منهم مادة للسخرية فراح يتحدّث عن وضع الصفر على يسار الرّقم وأنّه لاقيمة له تماماً مثل طلبة الصَّف الأخير، وهكذا ظلّ يضرب المثال تلو الآخر مشيراً بالتلميح تارة وبالتصريح أخرى إلى الأصدقاء الثلاثة فهمس حُسين لمُحمّد: هل سنترك المُدرِّس يستهزئ بنا هكذا؟فاندفع مُحمَّد-وكان معروفاً بحدّة الطبع- مُخاطباً الأستاذ: لكل بداية لابد لها من نهاية يادكتور..نظر إليه الأستاذ مندهشاًثمّ قال: ماذا تعني بذلك؟! ..أعني أنّ كلَّ أوّل لابد له من آخر، ثمّ إنّني إذا ماجئتُ وجدتُ الصّفوف الأمامية قد حُجِزت فأين أجلس إذن؟!أثارت هذه الإجابة المنطقية حفيظة الأستاذ فصاح بغضب: إجلس فوق رأسك!.-عفواً! هذا هو الوضع الخطأ-ما إسمك-مُحمَّد عبد العزيز-ليس عندك شئ من العِزَّة-العِزَّة لله وليست لنابلغ الغضب بالأستاذ مبلغه فطلب جميع أسماء طلبة الصَّف الأخير متوعداً إيّاهم: سوف توصّح درجاتكم في المادة مستواكم الُحقيقي، وانتهت المُحاضرة وسط هذا الجو المشحون بالتوتر والقلق.استبدَّ القلق بالأصدقاء الثّلاثة، علموا أنّ الأستاذ سيقوم بتصحيح إجاباتهم بمزيد من التركيز المصحوب بالتنقيب عن أي خطأ حتّى ولو كان صغيراً ليقوم بدوره بتضخيمه وإقامة حفل سخرية واستهزاء بهم؛ وتمنّى ثلاثتهم لو حدث هذا الموقف قبل الإختبار إذاً لاستعدوا للأمر مجتهدين أكثر في تحصيل المادة..أمّا الآن فما عساهم أن يفعلوا وقد صارت إجاباتهم بين يديه؛وبالطبع كان الّلوم والتقريع من نصيب مُحمّد بسبب إندفاعه وتسببه في هذا الموقف المُحرج.وراح الجميع يترقّبون في لهفةٍ يشوبها القلق ماسوف يحدث من مفاجآت في المحاضرة التالية.مرّت أيّام الاسبوع سريعة للبعض بطيئة لآخرين، وتعمَّد الأصدقاء الثلاثة التخلّف عن المحاضرة لتجنّب فاصلاً من السُخرية المحتملة أمام الطلبة، وبعد انتهاء المحاضرة خرج الجميع بين مسرورٍ بدرجته وآخر لم يحالفه التوفيق؛ وتطلّع ثلاثتهم إلى عيون الطلبة يبحثون في لهفة عمّا دار بشأن الصَّف الأخير وهنا بادرهم أحد الطلبة: لقد منحكم الأستاذ أصفاراً!لم يصدّق سعيد الخبر؛ لقد كان على يقين من إجاباته فكيف حدث هذا؟! هل أخذه الأستاذ بجريرة غيره؟!لقد كان الحوار بين الأستاذ وبين مُحمَّد..فماذنبه إذن؟!هكذا راح سعيد يحدّث نفسه في دهشة يصاحبها ألم؛ بينما التزم الآخران الصمت وما هي إلّا لحظات حتّى ظهرت الحقيقة كاملة فقد اكتشف دكتور المادة سؤال المنحنيات الخطأ والّذي اشترك فيه مُحمَّد وحُسين فأدرك على الفور أنّ أحدهما غشَّ من الآخر وهنا وجد بغيته في الإنتقام من الصَّف الأخير فأعطاهما صفراً.بقي سعيد في حيرة من أمره، إنّه لايزال يجهل نتيجته في الإختبار ؛ فهل يذهب للأستاذ في مكتبه أم ينتظر للمحاضرة التالية؟!؛ وأخيراً جمع أمره على الذّهاب إليه وليكن مايكون.؛وحين دخل على الأستاذ في مكتبه بادره الأستاذ قائلاً: ماذا تريد؟!-عفواً أستاذي؛ فقط أريد معرفة درجتي في الإختبار.راح الأستاذ يقلّب أوراقاً أمامه ثمَّ سحب ورقة سعيد من بينها وراح في دهشة يقلِّب بصره بينها وبين سعيد ثمَّ مدَّ يده بالورقة إلى سعيد مخاطباً إيّاه: مبروك لقد كانت إجاباتك رائعة.في بداية الأمر ظنَّ سعيد أن الأستاذ يسخر منه، ولكن حين أبصر درجته كاد قلبه يقفز فرحاً من بين ضلوعه ؛ لقد منحه الأستاذ عشرين درجة زيادة على درجته فحصل على مائة وستين درجة من مجموع مائة وأربعين؛ أسرع سعيد يعدو إلى صديقيه بجناحي الفرحة ونشوة الفوز، وحين علما قابلاه بفرحةٍ عارمة؛ أخيراً انتصروا على أستاذ المادة وأثبتوا عكس ماتوقّع فقد جاء الأوّل في مادة المساحة من الصَّف الأخير والّذي طالما سخر منه أستاذ المادة.
تأليف..أحمد سعيد

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"الحبيب الحائر"

"معادن الناس"