نهاية أديب

" نهاية أديب"
في اواخر عام 1983 وبالتحديد مع بداية فصل الشتاء أحب الفصول إلى نفسي واغزرها تأليفاً؛ تحركت داخلي كوامن الشعر والأدب وشعرت برغبة ملحة في التأليف فشرعت أكتب روايتي الأولى والوحيدة  "التائهة" وهو عنوان يعبر بصدق عن الحالة التي وصلت إليها (زهرة) بطلة قصتي  وحتى لاأطيل فلنشرع إذن بتلخيص العمل؛ بدأت الرواية بنزول امرأة من دولة عربية شقيقة بصحبة زوجها كضيفين  على أسرة هشام بطل قصتي وكان نزولهما لمصر لعرض (زهرة) على طبيب نساء لبحث سبل إمكانية الحمل؛ ومع الأيام  تولدت علاقة عاطفية بين هشام وزهرة وذلك لإنشغال الزوج في إنهاء بعض الامور الخاصة به تاركاً زوجه فريسة سهلة لتلك العاطفة الوليدة ومع الأيام استعر لهيبها   فأصبحت زهرة تشعر بالوحشة مع زوجها وأما هشام  فقد صورت كمؤلف عاطفته وحيرته في الكلمات التالية.."ونتساءل نحن أمام تلك الإرادة الجبارة التي أشعفت القلوب وأصابتها باللّظى....هل الحب ذنبٌ أم فضيلة؟!..فإن كان ذنباً ؛ فلمَ لاتكون لنا الإرادة على صده؟! وإن كان فضيلة؛ فلمَ يأتنا ونحن لانملك الحق في الإشهار به أمام الناس".. ؛
وهذه المقولة لاتصدر عادةً إلا من خيال شاعر لم تهذب كلماتَه مشاعرٌ إيمانية؛ ولقد كتبت ثلاثةً وعشرين فصلاّ صورت فيها مادار في القصة من أحداث  ؛ ولكوني أعلم أن مثل هذه العاطفة تولد محكومٌ عليها بالموت لذلك  قررت أن أختار موت هشام في ختام القصة نتيجة حادث تعرض له كحل لعقدة الرواية؛ حدث هذا بعد أن استطاعت زهرة الحصول على الطلاق من زوجها ؛ فأُصيبت بالصدمة من جرّاء ذلك؛ فلا هي احتفظت بزوجها..! ولاهي فازت بحبيبها..!.. انتهيت من تأليف القصة والتي أخذت مني قرابة الثلاثة أشهر في التأليف وضعف تلك المدة في التهذيب والتعديل؛ وحين قرأت على والدتي رحمها الله الفصل الأخيرمنها ألفيتُ عبراتها تطل حزينة من عينيها فعلمت حينها انني نجحت في مخاطبة مشاعر القلوب؛ لذلك سارعت بها للدكتور سعيد الورقي أستاذ القصة بكلية الآداب وقتها للوقوف على رأيه فيها وقد أمطرني بوابل من الثناء على العمل وتوقع لي مستقبلاً زاهراً في عالم التأليف؛ كان علي بعد ذلك أن أحصل على تصريح بالنشر من أمن الدولة وبالفعل نجحت في ذلك ؛ ومن ثمَّ انطلقت إلى دار العربي للنشر والتوزيع يحدوني الأمل في أن أصبح أديباً يشار إليه؛ حين قابلت صاحب الدار وعرضت عليه روايتي طلب مني قراءة بعض مقاطعها فوجدت عينيه تلمعان من شدة الإعجاب بالإسلوب ولكنه خاطبني قائلاً: أ.أحمد ؛ اسلوبك فعلاّ جميل وجذاب ولكنك مازلت مغموراً لايعرفك أحد فما رأيك أن تعمل معي وسأعطيك بعض أعمال شكسبير وغيره لتقوم بتعريبها بإسلوبك وتحولها إلى قصص قصيرة بشخصيات مصرية وسوف نقوم بطبعها ونشرها مع وضع اسمك عليها وبذلك يعرفك الناس فيمكننا بعد ذلك نشر روايتك؛ ولا أنكر أن العرض قد أسعدني في البداية  لأنه سيوفر لي المال الذي أستطيع به أن أواصل عملي كمؤلف فأخذت منه المؤلفات وانطلقت للمنزل ولكن  هيهات أن أكتب حرفاّ واحداً؛ لقد انتابني شعور غريب بأنني سارق وأنني بذلك  أقوم باختلاس مشاعر شكسبير لأنسبها لنفسي؛ وحين وصلت لتلك النتيجة رفضت رفضاً قاطعاً الاستمرار فأرسلت المسرحيات كلها مع صديقٍ لي مع اعتذار رقيق لصاحب دار النشر والتوزيع..وفي أواخر عام 1985 أرسلت نسخة من الرواية لجريدة الجمهورية ؛  وعلى غير العادة جاءني الرد سريعاً بأن العمل جيد وأنهم سيتابعون نشره على حلقات ووجدتني بعد فترة وجيزة اتجه بكل مشاعري للدين وقد أخذ   منّي  مجامع نفسي فطلقت الأدب وتوقفت عن التأليف ولأن الدافع الذي يحركني عاطفة إيمانية بلاعلم شرعي أستند عليه وقتها فقد شرعت في إطعام النار كل مؤلفاتي الشعرية والنثرية حتى روايتي الوحيدة لم تسلم من الأمر وكانت هذه هي نهاية أديب ......
بقلم..أحمد سعيد

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"تسلسل أحداث النهاية"

"بحث علمي"

"دروس من غزوتي أُحد وحُنين"