المشاركات
عرض المشاركات من نوفمبر, ٢٠٢١
"عاقبة الغرور"مازلتُ أذكرُ ياأمَّاه ذلك اليوم؛ كان الطّقسُ رائعاً ونسماتُ الصّباحِ تداعبُ أوراقَ الشّجرِ فتعزفُ لحناً تتراقصُ له القلوب..صحوتُ من نومي مبكـِّراً ورأيتُكِ تدورين حولي وحنان أمومتك يلف جسدي الضئيل؛ كنتُ أعلمُ أنّ التجربةَ ليست بالسّهلة غير أنّي لم أتوقع أن تبلغ هذا القدر من الصّعوبة، وبدأنا الدّرسَ الأوّل وترقّبتُ في خوف ولهفة تلك اللّحظة الّتي سأفارق فيها حنانكِ إلى المجهول..وجاءت بأسرع من دقَّاتِ قلبي وتتابع أنفاسي؛ رأيتُكِ تشجعين ضعفي وتستحثّين همّتي ولكن هيهات! لقد كان الموقف أكبر من طاقتي واحتمالي.أبصرتُ الفضاءَ أمامي ليس له حدود فطفقتُ أضرب بجناحي الضّعيفين خشية السّقوط؛ وحين بلغ بي الجَهدُ مداه وتداعت قواي أدركتُ أنّي هالك لامحالة، وحينها أحسستُ شيئاً يضمُّني في سرعة..وكان صدرُكِ الحنون؛ وحسبتُكِ ستوبّخين فشلي غير أنّي رأيتُكِ تهنئينني على نجاح التجربة؛ ورُحتِ تشحذين همَّتي أن أكرّرها من جديد..كنتُ في هذه المرَّة أكثر شجاعة وإقدام فحلَّقتُ وقطعتُ مسافة أطول نسبيّاً.ثمَّ كانت المحاولة الثّالثة وكأنيَّ بقلبكِ الكبير وروحكِ الشّفافة تتلمَّسين خطراً سيحدقُ بي؛ وجدتُكِ تكثرين النّصحَ لي بأن أكون حذراً وألّا أندفع لمسافاتٍ طويلة؛ ولكنّي مع الأسف لم أُعيرها إهتماماً فقد لبستُ ثوبَ الغرور والّذي راح بدوره يدفعُني لعصيانك.بدأتُ المحاولة وكلّي ثقة أنّني أصبحتُ مثلك ورُحتُ أحلّقُ متناسياً نصائحك؛ وظللتُ أُحلّق حتّى غبتُ عن ناظريكِ وحينها انتابني شعورٌ بالقلق وأحسستُ غِصّة في صدري؛ وبدأ الوَهنُ يدبُّ في أوصالي ووجدتُ ضرباتَ جناحي تضعفُ شيئاً فشيئا؛ وعبثاً حاولتُ جَهدي أن اتماسك ولكن مع الأسف ذهبت محاولاتي أدراجَ الرّياح..ووجدتُني أتهاوى إلى الأرض وحينذاك انتفضتُ سريعا. خشية الوقوع في يد إنسان؛ ولكن ماعساي أفعل وقد بتُّ في مكاني وحيداً لاسند لي.فجأة! إقترب منّي أحُدهمٌ وقد ارتسمت على وجهه إبتسامة الظّافر؛ وانطلقتُ أصرخ بكلِّ قواي: أمّي..أمّي!ولكن أين أنتِ ياأمَّاه .. وأين حنانك المعهود؟! ذهبت صرخاتي سدى وظللتُ أقفز هنا وهناك عساي أنجو من الأسر؛ وفجأة وجدتُ شيئاً ثقيلاً يطويني في قسوة وكان كفُّ الصَّبي والّذي راح بدوره يقفزُ فرحاً: عصفور..عصفور؛ وأنا أصرخُ من أعماقي: أدركوا الأسير.أطلق الفتى سراحي ، وحرَّرني من قبضته،وحاولتُ أن أحلّق ولكنّي سقطتُ من جديد؛ فقد ربطني الفتى بخيطٍ أولّه في يده وآخره في قدمي.؛ وبقيتُ هكذا سويعات مرَّت كأنّها سنوات..عبثاً حاول الفتى إغرائي بالطّعام والشّراب ولكن عافته نفسي؛ وكيف يطيب لي ذلك وأنا رهين الأسر بعيداً عن حنانك ياأمّي؟!.عقب الظهيرة رأيتُ رجلاً وقوراً تبدو عليه أمارات الصّلاح وماإن رآني حتّى راح يوبِّخ ولده على فعله توبيخاً شديداً فقال مخاطباً إيّاه: ماهذا ياأسامة؟!أبلغت بك القسوة أن تُفَرِّق بين أمٍّ وصغيرها؟!أجاب الفتي بصوتٍ مّتهدِّج: ولكنّي وجدتُه بمفرده وليس معه أمّه!..وكيف ترى أمّه وقد أمسكتَ به وأسَرتَه لديك؛ من المؤكد أنّ قلبَ أمّهِ الآن يكاد ينفطر حزناً على صغيرها.ثمَّ ربت الأب على كتف إبنه في حنان وتابع: أترضى ياأسامة أن يحرمَكَ أحدٌ من أمّك أو أبيك؟!..لا ياأبي لاأرضى ذلك...إذن سارع بإطلاق سراح الصّغير واتركه في المكان الّذي وجدتَه؛ ثمَّ راقب مايحدث بعد ذلك.إمتثل الفتى لنصحِ أبيه- وكان في ذلك أفضل منّي- ومرَّت لحظات كأنها أعوام ثمَّ تنامى إلى مسامعي صوتُك العذب يناديني فهبطتِ في خِفّة واحتواني عطفك وحنانك من جديد؛ ووجدتُني من شدَّة فرحي أردد: لن أعصيكِ بعد اليوم ياأُمّي.بقلم..أحمدسعيد
- الحصول على الرابط
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
حرارة موقف
- الحصول على الرابط
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
"حرارة موقف" كثيراً مايواجه الإنسان موقفاً يكون له تأثير خاص على مشاعره وتفكيره؛ فيقف أمامه متأملاً متحيراً كيف يتعامل مع هذا الموقف؟!..ولقد ساقتني الأقدار إلى موقف من هذا النوع؛ وكان ذلك عقب صلاة فجر أحد الأيام حيث كان ولدي الأوسط يمضي معنا أجازة منحتها إياه وحدته العسكرية. حدث هذا الموقف قدراً ودون ترتيب لأحداثه؛ ففي هذا اليوم وعقب عودتي من المسجد جلست في صالة المنزل ومن ثمَّ شرعت في ممارسة هوايتي المفضلة في القراءة ومطالعة الأحداث؛ وبعد فترة تركتُ مايشغلني وتوجهتُ صوب الشرفة تدفعني رغبة في استنشاق نسائم الصباح ؛ وحين دنوت منها راعني المشهد؛ إذ وجدتُ ولدي يقف في الشرفة متطلعاً إلى السماء وفي إحدى يديه لفافة تبغ ينفث منها دخاناً ؛ راعني ما أرى فوقفتُ مشدوهاً برهة لم يشعر خلالها ولدي بوجودي ثم عدتُ أدراجي فدلفتُ إلى غرفتي في هدوء. جلستُ أفكر!....ماذا أفعل جرّاء هذا الموقف؟!...كنتُ على علم بأن أبنائي الثلاثة قد أصابهم هذا البلاء المشئوم؛ وكان ذلك يدفعني أن أكثف لهم الدعاء بأن يقلعوا عن هذه العادة الخبيثة ولكن ! لم يدرْ بخلدي لحظة أن يجرؤ أحدهم على فعل ذلك بالمنزل؛ نعم وجدتني