المشاركات

عرض المشاركات من نوفمبر, ٢٠٢١

"الرائحة المميزة"راح صلاح يتابع في شغف قطرات المطر تتهادى خلف نافذته،وأحسّ في هذه اللحظات بحنين يشدّه إلى الماضي؛وتذكّر كيف كان تأثير هذا المشهد على مشاعره في سنوات عمره الأولى حتّى أنه وفي مرّاتٍ كثيرة كان يسارع بالإنطلاق إلى شاطئ البحر ليراقب عن كثب احتضان صفحة البحر لتلك القطرات.كان هذا المشهد يؤثر في نفسه أيما تأثير بل ويأخذ بمجامع قلبه، وشيئاً فشيئاً يتسلل إليه إحساس غامض مُطعّم بالسعادة. كان يشعر بروحه تشف وبمشاعره تتدغدغ ،وربما كان ذلك من تأثير نزعته الشّاعرية والتي كثيراً ما حلَّقت به إلى خيال اللامعقول.وحين ارتقت به الذّكريات إلى أوج الإحساس بها اندفع في شوقٍ ولهفة لتكرار التجربة، وحدّث نفسه متسائلاً :تُرى هل ستعاوده مشاعره القديمة مرّةً أخرى؟!. وهل تُراه سيحلِّق من جديد في خيال اللامعقول؟!.انطلق صلاح إلى الشّاطئ غير عابئ بتساقط الأمطار من حوله، وحين أدركه اللقاء راح يتطلّع في لهفة ٱلى صفحة الماء وهي تستقبل في صخب قطرات المطر ووجد صوتاً داخله يهتف:ربّاه! لقد تبدّل كلُّ شئ !أجل لم يعد للماء زرقته المعهودة، ولم يعد لقطرات المطر رونقها المنشود؛ وتساءل في أسى؟ تُرى ماالّذي طرأ على المشهد من تغيير حتّى تتبدّل مشاعره بهذا الشّكل؟!أتُراه من تأثير الضوضاء أم من تأثير الباعة الجائلين؟!وبينما هو يقلّب أفكاره مشدوداً إلى صفحة الماء وإذ برائحة مميّزة تتسلل شيئاً فشيئاً إلى أنفه، وحينذاك انتبه من شروده..إنّه يحفظ هذه الرّائحة عن ظهر قلب ، بل تكاد تكون هذه الرائحة هي الوحيدة الّتي يلتقطها أنفه من بين مئات الرّوائح المارّة بجواره.أجل..إنه بالفعل يحفظ هذه الرّائحة والّتي طالما شدّته منذُ نعومة أظافره، وراح يتلفّت حوله باحثاً في شغف عن مصدرها وإذ ذاك وجد رجلاً يدفع أمامه عربة بطاطا وقد تصاعد منها الدّخان حاملاً معه تلك الرّائحة المميزة.. فتحرّكت في داخله مشاعر الطفولة رغم تجاوزه العقد الخامس من عمره.سارع صلاح إلى البائع مبدياً رغبته في شراء حبّة بطاطا ليس رغبة في تذوقها بقدر ماهي رغبة في قضاء بعض الوقت بجوار تلك الرّائحة، والّتي طالما ذكّرته بأنّ له أنفاً يستطيع من خلاله تمييز ولو فقط رائحة شواء البطاطا.وإذ ذاك انطلق خياله محلّقاً إلى حيث مرتع صباه..إلى سنواته الأولى وتجسّد في مخيلته ذلك الحادث الّذي تعرّض له في طفولته..تذكّر سقوطه من فوق جدار الدّرج ،وتذكّر بكاءه والدماء تسيل من أنفه مناشداً أمّه الإسراع لنجدته؛ ولم تتوان الأم لحظة بل أسرعت إليه يلفّها ثوب الفزع..كان الغلام وحيدها وهو بالنسبة لها كل شئ..وهناك بالمشفى قام الطبيب بفحصه مع إجراء الإسعافات اللازمة له ثمّ وجّه حديثه للأم شارحاً لها حاجة الطفل لإجراء عملية بأنفه محذّراً إيّاها من أي إهمال وأنّ هذا من شأنه التأثير على حاسة الشم عند طفلها،وهنا تساءلت الأم في قلق: وهل من الضّروري إجراء هذه العمليّة على الفور..فأخبرها الطبيب أنّ تأخير العملية عام أو عامين لن يضر.مرّت الأيّام وتتابعت السنون ونسيت الأم أو قل تناست لخوفها على طفلها من ناحية ولعدم ظهور تأثير ذلك من ناحيةٍ أخرى؛ ومع الأيّام كبر الطّفل ولم يعد أنفه يلتقط شيئاً من الرّوائح المختلفة اللّهمّ إلّا رائحة شواء البطاطا والّتي يبدو أنّها حُفِرت في ذاكرته لموقف ما ارتبط بها..وبينما صلاح سابحاً في بحر ذكرياته والّتي حرّكت شجوناً في صدره حسبها ماتت من زمن وإذ بصوت البائع يعود به إلى الواقع : تفضّل يا أستاذ..نظر صلاح إلى البائع وعلى شفتيه ابتسامة حاول من خلالها إخفاء ما اعتمل في صدره من مشاعر، ومدّ إليه يده بالنقود ثمّ انصرف تاركاً خلفه تلك الرّائحة المميّزة وجزءاً من تاريخ طفولتهتأليف..أحمد سعيد

"عاقبة الغرور"مازلتُ أذكرُ ياأمَّاه ذلك اليوم؛ كان الطّقسُ رائعاً ونسماتُ الصّباحِ تداعبُ أوراقَ الشّجرِ فتعزفُ لحناً تتراقصُ له القلوب..صحوتُ من نومي مبكـِّراً ورأيتُكِ تدورين حولي وحنان أمومتك يلف جسدي الضئيل؛ كنتُ أعلمُ أنّ التجربةَ ليست بالسّهلة غير أنّي لم أتوقع أن تبلغ هذا القدر من الصّعوبة، وبدأنا الدّرسَ الأوّل وترقّبتُ في خوف ولهفة تلك اللّحظة الّتي سأفارق فيها حنانكِ إلى المجهول..وجاءت بأسرع من دقَّاتِ قلبي وتتابع أنفاسي؛ رأيتُكِ تشجعين ضعفي وتستحثّين همّتي ولكن هيهات! لقد كان الموقف أكبر من طاقتي واحتمالي.أبصرتُ الفضاءَ أمامي ليس له حدود فطفقتُ أضرب بجناحي الضّعيفين خشية السّقوط؛ وحين بلغ بي الجَهدُ مداه وتداعت قواي أدركتُ أنّي هالك لامحالة، وحينها أحسستُ شيئاً يضمُّني في سرعة..وكان صدرُكِ الحنون؛ وحسبتُكِ ستوبّخين فشلي غير أنّي رأيتُكِ تهنئينني على نجاح التجربة؛ ورُحتِ تشحذين همَّتي أن أكرّرها من جديد..كنتُ في هذه المرَّة أكثر شجاعة وإقدام فحلَّقتُ وقطعتُ مسافة أطول نسبيّاً.ثمَّ كانت المحاولة الثّالثة وكأنيَّ بقلبكِ الكبير وروحكِ الشّفافة تتلمَّسين خطراً سيحدقُ بي؛ وجدتُكِ تكثرين النّصحَ لي بأن أكون حذراً وألّا أندفع لمسافاتٍ طويلة؛ ولكنّي مع الأسف لم أُعيرها إهتماماً فقد لبستُ ثوبَ الغرور والّذي راح بدوره يدفعُني لعصيانك.بدأتُ المحاولة وكلّي ثقة أنّني أصبحتُ مثلك ورُحتُ أحلّقُ متناسياً نصائحك؛ وظللتُ أُحلّق حتّى غبتُ عن ناظريكِ وحينها انتابني شعورٌ بالقلق وأحسستُ غِصّة في صدري؛ وبدأ الوَهنُ يدبُّ في أوصالي ووجدتُ ضرباتَ جناحي تضعفُ شيئاً فشيئا؛ وعبثاً حاولتُ جَهدي أن اتماسك ولكن مع الأسف ذهبت محاولاتي أدراجَ الرّياح..ووجدتُني أتهاوى إلى الأرض وحينذاك انتفضتُ سريعا. خشية الوقوع في يد إنسان؛ ولكن ماعساي أفعل وقد بتُّ في مكاني وحيداً لاسند لي.فجأة! إقترب منّي أحُدهمٌ وقد ارتسمت على وجهه إبتسامة الظّافر؛ وانطلقتُ أصرخ بكلِّ قواي: أمّي..أمّي!ولكن أين أنتِ ياأمَّاه .. وأين حنانك المعهود؟! ذهبت صرخاتي سدى وظللتُ أقفز هنا وهناك عساي أنجو من الأسر؛ وفجأة وجدتُ شيئاً ثقيلاً يطويني في قسوة وكان كفُّ الصَّبي والّذي راح بدوره يقفزُ فرحاً: عصفور..عصفور؛ وأنا أصرخُ من أعماقي: أدركوا الأسير.أطلق الفتى سراحي ، وحرَّرني من قبضته،وحاولتُ أن أحلّق ولكنّي سقطتُ من جديد؛ فقد ربطني الفتى بخيطٍ أولّه في يده وآخره في قدمي.؛ وبقيتُ هكذا سويعات مرَّت كأنّها سنوات..عبثاً حاول الفتى إغرائي بالطّعام والشّراب ولكن عافته نفسي؛ وكيف يطيب لي ذلك وأنا رهين الأسر بعيداً عن حنانك ياأمّي؟!.عقب الظهيرة رأيتُ رجلاً وقوراً تبدو عليه أمارات الصّلاح وماإن رآني حتّى راح يوبِّخ ولده على فعله توبيخاً شديداً فقال مخاطباً إيّاه: ماهذا ياأسامة؟!أبلغت بك القسوة أن تُفَرِّق بين أمٍّ وصغيرها؟!أجاب الفتي بصوتٍ مّتهدِّج: ولكنّي وجدتُه بمفرده وليس معه أمّه!..وكيف ترى أمّه وقد أمسكتَ به وأسَرتَه لديك؛ من المؤكد أنّ قلبَ أمّهِ الآن يكاد ينفطر حزناً على صغيرها.ثمَّ ربت الأب على كتف إبنه في حنان وتابع: أترضى ياأسامة أن يحرمَكَ أحدٌ من أمّك أو أبيك؟!..لا ياأبي لاأرضى ذلك...إذن سارع بإطلاق سراح الصّغير واتركه في المكان الّذي وجدتَه؛ ثمَّ راقب مايحدث بعد ذلك.إمتثل الفتى لنصحِ أبيه- وكان في ذلك أفضل منّي- ومرَّت لحظات كأنها أعوام ثمَّ تنامى إلى مسامعي صوتُك العذب يناديني فهبطتِ في خِفّة واحتواني عطفك وحنانك من جديد؛ ووجدتُني من شدَّة فرحي أردد: لن أعصيكِ بعد اليوم ياأُمّي.بقلم..أحمدسعيد

حرارة موقف

"حرارة موقف" كثيراً مايواجه الإنسان موقفاً يكون له تأثير خاص على مشاعره وتفكيره؛ فيقف أمامه متأملاً متحيراً كيف يتعامل مع هذا الموقف؟!..ولقد ساقتني الأقدار إلى موقف من هذا النوع؛ وكان ذلك عقب صلاة فجر أحد الأيام حيث كان ولدي الأوسط يمضي معنا أجازة منحتها إياه وحدته العسكرية. حدث هذا الموقف قدراً ودون ترتيب لأحداثه؛ ففي هذا اليوم وعقب عودتي من المسجد جلست في صالة المنزل ومن ثمَّ شرعت في ممارسة هوايتي المفضلة  في القراءة ومطالعة الأحداث؛ وبعد فترة تركتُ مايشغلني وتوجهتُ صوب الشرفة تدفعني رغبة في استنشاق نسائم الصباح ؛ وحين دنوت منها راعني المشهد؛ إذ وجدتُ ولدي يقف في الشرفة متطلعاً إلى السماء وفي إحدى يديه لفافة تبغ ينفث منها دخاناً ؛ راعني ما أرى فوقفتُ مشدوهاً برهة لم يشعر خلالها ولدي بوجودي ثم عدتُ أدراجي فدلفتُ إلى غرفتي في هدوء. جلستُ أفكر!....ماذا أفعل جرّاء هذا الموقف؟!...كنتُ على علم بأن أبنائي الثلاثة قد أصابهم هذا البلاء المشئوم؛ وكان ذلك يدفعني أن أكثف لهم الدعاء بأن يقلعوا عن هذه العادة الخبيثة ولكن ! لم يدرْ  بخلدي لحظة أن يجرؤ أحدهم على فعل ذلك بالمنزل؛ نعم وجدتني